Powered By Blogger

اخبار اليوم Headline Animator

الخميس، 10 يناير 2013

وفي أنفسكم أفلا تبصرون -الأسنان -

وفي أنفسكم أفلا تبصرون -الأسنان - 


الدكتور منصور أبوشريعة العبادي


جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
لقد تميز الدين الإسلامي على غيره من الأديان السماوية بحث أتباعه على أن لا يكون إيمانهم بالله إيمانا تقليديا أو شكليا حيث ينشأ الأبناء على دين أبائهم ويقومون بعمل شعائره إما تعصبا أو تحت تأثير المجتمعات التي يعيشون فيها فيصدق بذلك قول الله فيهم "بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)" الزخرف.
ولهذا نجد أن القرآن الكريم يزخر بالآيات القرآنية التي تحث المسلمين وغيرهم من البشر على التيقن من وجود الله عز وجل من خلال




النظر والتفكر في ما خلق الله سبحانه وتعالى من أشياء فقال عز من قائل "أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)" الأعراف.
وعلى الرغم من أن الله سبحانه وتعالى قد أمر البشر في التفكر في كل شيء تقع عليه أعينهم في هذا الكون إلا أنه سبحانه قد خص عدد كبير من الأشياء بالاسم لتكون مجالا للنظر والتفكر ومن هذه الأشياء ما جاء في قوله سبحانه "وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ(21)" الذاريات.
إن في تركيب جسم الإنسان وغيره من أجسام الكائنات الحية من التعقيد وحسن التصميم ما ينفي نفيا قاطعا ما يدعيه الملحدون من أن هذه الأجسام قد صنعت بالصدفة بل على العكس من ذلك فإن تصنيعها يحتاج لصانع لا حدود لعلمه وقدرته. لقد أكد الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة من سورة الذاريات على أنه يوجد في جسم الإنسان وبالطبع في بقية أجسام الكائنات الحية آيات أي معجزات باهرة يمكن أن يستدل عليها أي إنسان عاقل مهما بلغت درجة علمه. إن كل ما يحتاجه الإنسان لكي يكتشف هذه المعجزات في تركيب جسمه هو النظر إلي أعضاء جسمه ومكوناتها إذا كانت ظاهرة والقراءة عنها إذا كانت باطنة ومن ثم التفكير في مواصفاتها والوظيفة التي تقوم بها والطريقة التي تعمل من خلالها والتساؤل فيما إذا كان بالإمكان أن تكون على غير الصورة التي هي عليها أو أن تكون أفضل مما هي عليه.
ومع التأكيد مرة أخرى على أن الإنسان مهما بلغت درجة تعليمه قادر على اكتشاف المعجزات الموجودة في بعض أجزاء جسمه خاصة الظاهرة منها إلا أنه كلما ازداد علم المرء بتركيب جسمه كل ما تكشفت له معجزات كثيرة لا يمكن الاهتداء إليها لغير المتعلم مصداقا لقوله تعالى "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)" الزمر. وفي سلسلة المقالات هذه سأعمل إن شاء الله على بيان بعض أوجه الإعجاز في تركيب مختلف مكونات أعضاء جسم الإنسان مبتدئين بالظاهر منها راجيا أن تكون بابا يدخل منه القارئ إلى عالم التفكر في مكونات أجسامهم ليستيقن أنها خلقت من قبل صانع لا حدود لعلمه وقدرته وهذا هو الهدف الذي أمر الله من أجله البشر في التفكر في أنفسهم في قوله سبحانه "وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ(21)" الذاريات .





لا يكاد يمر يوم على الإنسان البالغ إلا ويقوم بتنظيف أسنانه بالفرشاة أو بالمسواك وغالبا ما ينظر إليها ويتفقدها من خلال المرآة ليتأكد من نظافتها ولكن من المؤسف أن أكثر الناس لا يتفكرون في هذه الأسنان وما في خلقها من عجائب. إن في تركيب وترتيب الأسنان في الإنسان وفي غيره من الكائنات الحية من أوجه الإعجاز ما يقنع أي إنسان عاقل مهما بلغ مستوى تعليمه بأنه لا يمكن أن تكون قد صنعت إلا من قبل صانع لا حدود لعلمه وقدرته. إن الوظيفة الرئيسية للأسنان في جميع الكائنات الحية هي أنها أحد أعضاء الجهاز الهضمي حيث تقوم بتقطيع الطعام إلى قطع صغيرة ومن ثم طحنها ومضغها بشكل جيد ليسهل إدخالها من خلال المريء إلى المعدة ومن ثم إلى بقية أعضاء الجهاز الهضمي. ولكي نبرز أوجه الإعجاز في تصميم الأسنان عند الإنسان سنثير في عقل القارئ بعض التساؤلات التي ستقوده إذا ما حاول الإجابة عليها إلى التيقن من أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تكون قد صنعت بالصدفة كما يدعي الملحدون.
إن أوجه الإعجاز هذه ستكون جلية واضحة فيما لو كلفنا لجنة من ألمع أطباء الأسنان في العالم أن يعملوا على إيجاد تصميم جديد للأسنان بحيث يتفوق على التصميم الحالي في أداء وظيفته. إن أول ما ستناقشه اللجنة بالطبع هو عدد الأسنان اللازمة في كل فك فهل العدد الحالي مناسبا أم يلزم زيادته مع تصغير أحجامها بالطبع لكون طول الفكين ثابتا أو يلزم تقليص العدد إذا ما وجد أن بعضها زائدا عن الحاجة. أما القضية الثانية التي سيناقشونها بعد أن تم تحديد العدد فهي تحديد أشكال هذه الأسنان فهل يمكن أن تكون على شكل واحد وبنفس الحجم أم يلزم اختيار أشكال مختلفة حسب موقع السن على الفك. أما القضية الثالثة فهي الطريقة التي سيتم من خلالها تحديد أحجام هذه الأسنان وضمان تركيبها في أماكنها دون مشاكل. أما القضية الرابعة فهي طريقة تصنيع القوالب التي ستستخدم لصب هذه الأسنان على افتراض أنهم وجدوا أشكالا جديدة غير الأشكال التي هي عليها. وستناقش اللجنة قضايا أخرى كثيرة كالمواد التي ستستخدم في تصنيع هذه الأسنان وطرق تثبيتها في الفك وتحديد لونها. وقبل بيان أوجه الإعجاز في الأسنان سنعطي نبذة سريعة عن أعدادها وأنواعها وترتيبها عند الإنسان البالغ.
يبلغ عدد الأسنان في الإنسان البالغ اثنين وثلاثين سنا نصفها مثبت على عظام الفك السفلي والنصف الثاني على الفك العلوي. ونظرا للتماثل بين أسنان الجزء الأيمن والجزء الأيسر من كل فك فإنه يوجد ستة عشر شكلا مميزا للأسنان وإذا ما افترضنا وجود بعض التماثل بين أسنان الفك السفلي وما يقابلها في الفك العلوي فإن عدد الأشكال سيتقلص إلى ثمانية أشكال مميزة تم تقسيمها حسب الوظيفة التي تقوم بها إلى أربعة أنواع وهي القواطع (شكلين) والأنياب (شكل واحد) والنواجذ (شكلين) والأضراس (ثلاثة أشكال). 





وإذا ما ضربنا كل من هذه الأنواع بأربع فإنه سيوجد في فم الإنسان ثمانية قواطع وأربعة أنياب وثمانية نواجذ واثنا عشر ضرسا كما هو مبين في الشكل المرفق. ويوجد للقواطع والأنياب جذر واحد بينما يوجد جذر أو جذرين للنواجذ وما بين جذرين وأربعة جذور للأضراس تختلف من إنسان إلى إنسان تبعا للجينات التي يحملها. وتستخدم القواطع (الثنايا) لقطع أو قضم جزء صغير من قطعة طعام كبيرة كما نفعل عند أكل بعض أنواع الفواكه والخضروات في غياب السكاكين بينما تستخدم الأنياب لتمزيق بعض أنواع الطعام كاللحوم. وأما النواجذ (الضواحك) فتستخدم لتكسير أو تهشيم قطع الطعام الصلبة بينما تستخدم الأضراس (الطواحن) لتفتيت وطحن لقم الطعام لتصبح على شكل معجون طري يسهل بلعه.
إن أول أوجه الإعجاز في خلق الأسنان هو في طريقة ترتيبها فهذا الترتيب البديع ينفي نفيا قاطعا أن يكون ذلك قد تم بالصدفة فبعملية حسابية تسمى التباديل يمكن أن نحسب عدد المحاولات التي تلزم الصدفة لكي تهتدي للترتيب الصحيح. وينص قانون التباديل على أن عدد الترتيبات التي يمكن أن ترتب فيها مجموعة من الأشياء المختلفة وليكن عددها س هو ما يسمى بمضروب العدد س ومضروب العدد هو الرقم الناتج عن ضرب العدد المعني في العدد الذي دونه ثم الذي دونه وهكذا حتى نصل للرقم واحد فمضروب العدد أربعة مثلا يساوي 24 وهو حاصل ضرب أربعة في ثلاثة في اثنين في واحد. ويبلغ عدد الترتيبات المحتملة للأسنان عند الإنسان (2.63 x 1035) وهو مضروب العدد اثنين وثلاثين وهو عدد الأسنان. ولو افترضنا جدلا أن كل محاولة لترتيب الأسنان تتم في عام واحد فقط وهذا أقل بكثير مما يلزم فعليا فإن عدد المحاولات التي يمكن إنجازها على مدى عمر الكون هو (13 x 109) فقط وهو عدد لا يذكر مع عدد المحاولات المطلوبة. وإذا ما علمنا أن هناك عشرات الآلاف من أنواع الكائنات ذات الأسنان فإن منتهى الجحود وقلة العقل أن يدعي مدعي أن ترتيب أسنانها على الوجه المطلوب قد تم بمحض الصدفة.
أما وجه الإعجاز الثاني فهو تصميم الأشكال المناسبة للأسنان لكي تقوم بالوظائف التي صممت من أجلها على الوجه الأكمل. ومرة أخرى نقول أن منتهى الجهل أن يدعي الملحدون أن الصدفة قد عرفت أنواع الطعام الذي سيأكله كل نوع من أنواع الكائنات ذات الأسنان ومن ثم قامت بتصميم أطقم أسنانها بما يتناسب مع أنواع الطعام هذه. وبما أن الإنسان هو الوحيد بين الكائنات الحية الذي يتميز بتعدد أنواع طعامه فإن أسنانه تتطلب تصميما خاصا فيحتاج أشكالا مختلفة من الأسنان بعضها للقطع وأخرى للتمزيق والتكسير والطحن.
ولنفترض جدلا أن الصدفة قد اهتدت لتحديد الوظائف التي ستقوم بها الأسنان فأنى لها أن تهتدي للشكل المناسب للسن لكي يقوم بالوظيفة التي سيقوم بها فكم من المحاولات تحتاج حتى ينتج بالصدفة هذا الشكل المناسب! فأسنان القواطع يجب أن تكون مستطيلة وحادة الأطراف لكي تتمكن من تقطيع الطعام أما الأنياب فيجب أن تكون أطرافها مدببة وبارزة عن ما يجاورها من أسنان لكي تتمكن من تمزيق الطعام الذي يصعب قطعه أما النواجذ والأضراس فيجب أن تكون أطرافها مستعرضه ومقعرة بعض الشيء لكي تتمكن من تكسير وطحن الطعام. ومن عجائب تصميم أشكال الأسنان أن القواطع الأمامية العلوية أعرض من السفلية مما أدى إلى حدوث إزاحة بين كل سن على الفك العلوي عن السن الذي يناظره في الفلك السفلي وهذا ضروري لكي تستقر الرؤوس البارزة للأنياب فيما بين الأسنان وإلا لما انطبقت أسنان الفكين على بعضها. 





أما وجه الإعجاز الثالث فهو اختيار المادة التي تصنع منها الأسنان بحيث لا تتآكل أو تتكسر لفترة تمتد على مدى عمر الكائن وخاصة أنها تستخدم في كل يوم. فالإنسان على سبيل المثال يستخدم أسنانه لقطع وتمزيق وطحن الطعام لمدة ساعة كل يوم تتعرض الأسنان خلالها إلى مختلف أشكال الإجهادات الميكانيكية وإلى جانب ذلك تتعرض لمختلف أنواع المواد الكيميائية التي يحتويها الطعام وما يفرزه الفم من مواد هاضمة بسيطة ناهيك عن التفاوت في درجة حرارة الطعام والشراب الذي يعمل على تمدد وتقلص مادة الأسنان. بل إن الأخطر من كل ذلك على الأسنان هو تكاثر البكتيريا على أسطح هذه الأسنان خاصة بوجود بقايا الطعام حيث تقوم البكتيريا بإفراز مختلف المواد السامة والأحماض التي تعمل على تخريب الأسنان.
وعلى الرغم من كل ذلك فإن هذه الأسنان تستمر في أداء وظيفتها لما يقرب من مائة عام إذا ما اتخذت بعض الإجراءات البسيطة للحفاظ عليها بعد كل استعمال لها. وتتكون السن من ثلاث طبقات وهي طبقة اللب الداخلية تليها طبقة العاج ومن ثم طبقة المينا الخارجية ويتم تغذية السن من خلال أوعية دموية تتخلل اللب إلى جانب وجود الأعصاب التي تربط الأسنان بمراكز الحس في الدماغ لكي تحس بمقدار الضغط الواقع عليها وبدرجة حرارة الطعام والشراب. وتعتبر طبقة المينا الخارجية أشد الطبقات صلابة وهي أشد مكونات الجسم قساوة بل هي من بين أشد المواد قساوة في الطبيعة وهي مادة بلورية تتكون من الكالسيوم والفسفور وآثار من بعض المعادن. وللتدليل على صلابة المينا وخصائصها الأخرى نذكر أن المواد الصناعية التي تستخدم كبديل عنها في حالة خرابها كالبورسلان والفضة والذهب وخليط الزئبق مع بعض المعادن (الملغم) لا تضاهيها من حيث الصلابة وكذلك مقاومتها لتأثير مكونات الطعام والشراب واللعاب. أما طبقة العاج فهي مادة عظمية وبصلابة بقية عظام الجسم ولكنها أقل صلابة من المينا حيث تعمل على امتصاص الإجهاد العالي الواقع على المينا مما يحول دون انكسارها.
أما معجزة المعجزات فهي أن الأسنان لا تحتاج إلى قوالب لتصنيعها كما يفعل البشر بل إن كل سن من هذه الأسنان يبدأ تصنيعها من خلية واحدة فقط كما هو الحال مع كامل جسم الإنسان الذي يبدأ تصنيعه أيضا من خلية واحدة. وعلى العكس من بقية أعضاء جسم الإنسان والتي يكتمل تصنيعها والإنسان في بطن أمه فإن الأسنان يتم تصنيعها بعد ميلاده حيث يبدأ تصنيع الأسنان اللبنية في نهاية عامه الأول والأسنان الدائمة بعد عامه السادس ويكتمل تصنيعها مع سن البلوغ. ويمكن للمرء أن يشاهد هذه المعجزة الربانية من خلال مراقبة أسنان إخوانه أو أبنائه وهي تنبت في اللثة فتشقها كما تشق النبتة تراب الأرض ثم تنمو شيئا فشيئا إلى أن يكتمل تصنيعها ثم تتوقف تماما عن النمو. لقد تم توزيع الخلايا التي يبدأ منها تصنيع الأسنان على محيط الفكين بشكل بالغ الدقة بحيث يأخذ كل سن مكانه الصحيح دون أن تتصادم مع بقية الأسنان.
ولقد حدد الله سبحانه وتعالى على الشريط الوراثي الذي في داخل هذه الخلايا البرامج التي تنتج عند تنفيذها الأسنان بأشكالها المطلوبة ابتداء من خلية واحدة. فبعض الخلايا تصنع القواطع وبعضها الأنياب وبعضها النواجذ والأضراس وقلما تخطأ هذه الخلايا فتنبت الأنياب أو القواطع في أماكن الأضراس ولو أن عملية تصنيع الأسنان هذه قد وكلت للبشر لتكررت مثل هذه الأخطاء بشكل كبير. بل إن الأعجب من ذلك أن كل إنسان له أشكال أسنان تختلف عن الآخر ولكن برامج التصنيع لجميع أسنانه قد تم إحكامها بحيث تنتج أسنانا متناسقة مع بعضها البعض. ويمكن لمن عنده خلفية في تصميم القطع الميكانيكية باستخدام الحاسوب أن يدرك مدى التعقيد الموجود في برامج تصنيع الأسنان المكتوبة على الشريط الوراثي فهذه البرامج يجب أن تحتوي على كامل أبعاد السن ليس الخارجية فحسب بل أبعاد كل طبقة من طبقاتها إلى جانب مواصفات المواد المستخدمة لبناء هذه الطبقات. إن رأس الإنسان يكاد يتصدع عندما يفكر مليا في عملية تصنيع السن ابتداء من خلية واحدة فهذه الخلية تنقسم ملايين المرات بحيث توضع كل خلية في مكانها الصحيح في جسم السن وبحيث يكون نوع الخلية مناسبا للمكان التي هي فيه. ومما يثير الدهشة أن الأسنان المصنعة بهذه الطريقة الربانية تأخذ شكلها النهائي المطلوب ولكن بحجم صغير ومع نموها يزداد حجمها بنفس النسبة مع احتفاظها بشكلها الأصلي وهذا أيضا يتطلب درجة عالية من التنسيق بين الخلايا عند انقسامها في المواقع المختلفة بحيث ينقسم كل منها بقدر محدد يتناسب مع نسبة النمو في ذلك الموقع. إن أكثر ما حير العلماء في هذه الطريقة الربانية هو في تصنيع طبقة المينا حيث أنها مصنوعة من مادة غاية في الصلابة فكيف يتسنى لها أن تنمو بشكل بطيء ومن ثم تأخذ شكلها النهائي بمنتهى الإتقان. ويتبين لنا مدى صعوبة تصنيع هذه الأسنان عندما نشاهد الجهد الذي يبذله طبيب الأسنان ومختبرات تصنيع الأسنان عند تركيب سن صناعي مكان السن الطبيعي وصدق الله العظيم القائل في محكم تنزيله "هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)" لقمان

الإعجاز العلمى فى النهى عن الغضب

الإعجاز العلمى فى النهى عن الغضب
الهدي النبوي في كراهة الغضب

قال تعالى : (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ )[ الشورى الآية 42]

وقال تعالى : (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)آل عمران .
وقال تعالى وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) سورة فصلت . 

وقال تعالى : (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) الفرقان الآية 63
عن أبي هريرة رضي الله عنه " أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني فقال : لا تغضب فردد مراراً فقال : لا تغضب " رواه البخاري.

وعن أبي الدرداء رضي الله قال : " قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة قال : لا تغضب " رواه الطبراني بإسناد حسن .
وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على كتمان 
الغضب 
فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلىالله عليه وسلم قال : " ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" رواه البخاري ومسلم . 
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يصطرعون فقال : " ما هذا ؟" 

قالوا فلان لا يصارع أحداً إلا صرعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أفلا أدلكم على من هو أشد منه ؟ رجل كلمه رجل فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه".
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معاوية إياك والغضب ، فإن الغضب الإيمان كما يفسد الصبر العسل" . 
وقد رفع الإسلام من أجل ذلك من مرتبة الحلم ،وجعل من كظم الغيظ وسيلة إلى التقرب إلى الله عز وجل ورفع درجات صاحبه يوم القيامة . عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه أن النبي صلىالله عليه وسلم قال : " من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين فيزوجه منها ما شاء ".

وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم الأشج قائلاً له : " إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة " رواه مسلم .
وقد روي عن عكرمة في قوله تعالى : " وسيداً وحصوراً " قال : السيد الذي لا يغلبه الغضب . كما روى الإمام الغزالي (1) عن الحسن رضي الله عنه قوله : " يا ابن آدم كلما غضبت وثبت وأوشك أن تثبت وثبة فتقع في النار " . 

قال الخطابي (2) : معنى قوله [ لا تغضب ] اجتناب أسباب الغضب وألا تتعرض لما يجلبه ، وأما نفس الغضب فلا يتأتى النهي عنه لأنه أمر طبيعي لا يزول من الجبلة . وقال غيره: ما كان من قبيل الطبع الحيواني فلا يمكن دفعه ، وما كان من قبيل ما يكتسبه بالرياضة فهو المراد. وقيل : لا يفعل ما يأمرك به الغضب . 
قال ابن البطال (2) : يعني أن مجاهد النفس أشد من مجاهد العدو لأنه صلى الله عليه وسلم جعل الذي يملك نفسه عند الغضب أعظم الناس قوة . وقال ابن حيان : أراد لا تعمل عند الغضب شيئاً مما نهيت عنه . ويجمل الإمام الغزالي (1) . 
رأيه في الغضب : " فأقل الناس غضباً أعقلهم ، فإن كان للدنيا كان دهاء ، ومكراً وإن كان للأخرة كان حلماً وعلماً .وقد قيل لعبد الله بن المبارك أجمل لنا حسن الخلق . فقال ترك الغضب ". 

الآثار الصحية السيئة للغضب على البدن: 
إن الانفعالات الشديدة والضغوط التي يتعرض لها الإنسان كالخوف والغضب يحرض الغدة النخامية (3و4) على إفراز هرمونها المحرض لإفراز كل من الإدرينالين والنور أدرينالين من قبل الغدة الكظرية ، كما تقوم الأعصاب الودية على إفراز النور أدرينالين . 
إن أرتفاع هرمون النور أدرينالين في الدم يؤدي إلى تسارع دقات القلب ، وهذا ما يشعر به الإنسان حين الإنفعال والذي يجهد القلب وينذر باختلاطات سيئة . فهو يعمل على رفع الضغط الدموي بتقبيضه للشرايين والأوردة الصغيرة ، كما أن الارتفاع المفاجيء للضغط قد يسبب لصاحبه نزفاً دماغياً صاعقاً يؤدي إلى إصابة الغضبان بالفالج ، وقد يصاب بالجلطة القلبية أو الموت المفاجئ ،وقد يؤثر علىأوعية العين الدموية فيسبب له العمى المفاجيء ، وكلنا يسمع بتلك الحوادث المؤلمة التي تنتج عن لحظات غضب (4)

هذا وإن ارتفاع النور أدرينالين في الدم يحرر الغليكوجين من مخازنه في الكبد ويطلق سكر العنب مما يرفع السكر الدموي ، إذ من المعلوم أن معظم حادثات الداء السكري تبدأ بعد أنفعال شديد أو غضب . أما ارتفاع الأدرينالين فيزيد من عمليات الإستقلاب الأساسي ويعمل على صرف كثير من الطاقة المدخرة مما يؤدي إلىشعور المنفعل اوالغضب بارتفاع حرارته وسخونة جلده (4) . 

كما ترتفع شحوم الدم مما يؤهب لحدوث التصلب الشرياني ومن ثم إلى حدوث الجلطة القلبية أو الدماغية كما يؤدي زيادة الهرمون إلى تثبيط حركة الأمعاء ومن ثم إلى حدوث الإمساك الشديد . وهذا سبب إصابة ذوي المزاج العصبي بالإمساك المزمن . 
ويزداد أثناء ثورات الغضب (4) إفراز الكورتيزون من قشرة الكظهر مما يؤدي إلى زيادة الدهون في الدم على حساب البروتين ، ويحل الكورتيزون النسيج اللمفاوي مؤدياً إلى نقص المناعة وإمكانية حدوث التهابات جرثومية متعددة ، وهذا ما يعلل ظهور التهاب اللوزات الحاد عقب الانفعال الشديد ، كما يزيد الكورتيزول من حموضة المعدة وكمية الببسين فيها مما يهيء للإصابة بقرحة المعدة أو حدوث هجمة حادة عند المصابين بها بعد حدوث غضب عارم . 
وقد أثبتت البحوث الطبية الحديثة (5) وجود علاقة وثيقة بين الانفعالات النفسية ومنها الغضب وبين الإصابة بالسرطان . وتمكن العلم أن يبين مدى خطورة الإصابة السرطانية على إنسان القرن العشرين ،قرن القلق النفسي ، وأكدت الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون من انفعالات نفسية مريرة بصورة مستمرة يموتون بالسرطان باحتمال نسبي أكبر . 
فالانفعالات النفسية تولد اضطراباً هرمونياً خطيراً في الغدد الصماوية يؤدي إلى تأرجح في التوازن الهرموني بصورة دائمة ، هذا التأرجح يساعد على ظهور البؤرة السرطانية في أحد أجهزة البدن . 

ويرى بعضهم (4) أن التأثيرات التي تحصل في البدن نتيجة الغضب الشديد والذي يسبب فيضاً هرمونياً يؤدي إلى ما يشبه التماس الكهربائي داخل المنزل بسبب اضطرابات الدارة الكهربائية ، وما ينتج عن ذلك من تعطل في كافة أجزاء الدارة الكهربائية . 
ولا شك أن نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم قد عرف بنور الوحي خطورة هذه الانفعالات النفسية على مستقبل المجتمع الإنساني قبل أن يكتشف الطب آثارها ، ودعا بحكمة إلى ضبط انفعالاتهم ـ قدر المستطاع ـ [ لا تغضب ]محاولاً أن يأخذ بأيديهم إلى جادة الصواب ـ رحمة بهم ـ وحفاظاً على صحة أبدانهم من المرض والتلف ، لكنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان يعلم في نفس الوقت طبيعة النفس البشرية ، ويعلم أن الإنسان لحظة غضبه قد لا يقوى على كتم غضبه ، خاصة إن كان يغضب لله أو لعرض أوماله ، فإذا به يصف العلاج قبل أن يستفحل الغضب ، وقبل أن يقدم الغاضب على فعل لا تحمد عقباه .

الهدي النبوي في معالجة الغضب : سبق طبي معجز 

لا شك أن سرعة الغضب من الأمراض المهلكة للبدة والمستنفذة لقواه (6) وقد جاءت التعاليم النبوية بطرق ناجعة لمكافحة الغضب والحد من تأثيره السيء على البدن وعلى المسلم أن يروض نفسه على الحلم (7) فبالحلم تستأصل جذور العداوات من النفس وتستل الخصومات من القلوب . وقد أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ كما نعلم من سيرته ـ أوفى نصيب من الحلم وسعة الصدر وضبط النفس عند الغضب . 
عن أبي هريرة رضي الله عنها أن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يقول : " أربع من كن فيه وجبت له الجنة وحفظ من الشيطان : من يملك نفسه حين يرغب وحين يرهب وحين يشتهي وحين يغضب " . 
وقد نقل العلامة ابن حجر الطوخي قوله : " أقوى الأشياء في دفع الغضب استحضار التوحيد الحقيقي وهو أن لا فاعل إلا الله وكل فاعل غيره فهو آلة له ، فمن توجه إليه بمكروه من جهة غيره ، فاستحضر أن الله لو شاء لم يمكن ذلك الغير منه ، اندفع غضبه " . قال ابن حجر : " قلت وبهذا يظهر السر في أمره صلى الله عليه وسلم الذي غضب أن يستعيذ بالله من الشيطان لأنه إذا توجه إلى الله في تلك الحالة بالاستعاذة من الشيطان أمكنه استحضار ما ذكر " . 
عن سلمان بن سرد رضي الله عنه قال : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم وأحدهما يسب صاحبه مغضباً قد احمر وجهه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " رواه البخاري ومسلم . 

يقول د. إبراهيم الراوي (8) ينصح علماء الطب النفسي الأشخاص الذين يتعرضون إلى نوبات الغضب إلى تمارين خاصة تؤدي إلى نتائج مذهلة ، هذه التمارين تسبب استرخاء في الذهن يؤدي إلى انطفاء نار الغضب وإخماد الثورة العصبية ، منها أن يعدّ الشخص من 1ـ 2ـ 3 .. وحتى 30 قبل أن ينطق بأي حرف . هذه الحقيقة في مجال الطب النفسي اكتشفها نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم حين أمر الغاضب أن يتعوذ بالله عدة مرات وهذا واضح من مفهوم الآية الكريمة : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العلم ) صدق الله العظيم . 
ويبدوا من هذا القبيل دعوة النبي صلى الله عليه وسلم الغاضب إلى السكوت وعدم النطق بأي جواب . عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا غضب أحدكم فليسكت " . 
وتغيير الوضعية ، هدي نبوي كريم له فائدة عظيمة في تهدئة ثورة الغضب عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع " . 
ويعلق د. الراوي (8) قائلاً : يوصي الطب الحديث كل من يتعرض للغضب الشديد والانفعالات النفسية بالاسترخاء قبل إطلاق العنان للجوارح واللسان . وهذه الحقيقة الطبية كان لها بالغ الأثر في الوقاية من أخطر الأزمات عندما يوفق المرء في تمالك نفسه عند الغضب والتي اكتشفها نبي الرحمة في أعماق النفس البشرية حين أمر الغاضب الواقف أن يجلس . 

وقد وفق د. حسان شمسي باشا (3) إلى كشف 
الإعجاز 
الطبي في هذه الوصفة النبوية إذ كتب يقول :" جاء في كتاب هاريسون الطبي أنه من الثابت علمياً أن هرمون النور أدرينالين يزداد بنسبة 2_ 3 أضعاف لدى الوقوف بهدوء لمدة خمس دقائق أما هرمون الأدرينالين فيرتفع ارتفاعاً بسيطاً في الوقوف لكن الضغوط النفسية تزيد من نسبته في الدم … ولا شك أن ارتفاع العاملين معاً ، الغضب والوقوف يرفع نسبة هذين الهرمونين بشك كبير .

فمن علم النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الهرمونات تزداد بالوقوف وتنخفض بالاستلقاء حتى يصف هذا العلاج ؟ .. لا شك أنه وحي يوحى إليه، عليه الصلاة والسلام . 
ومن هذا القبيل ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الغضب جمرة في قلب ابن آدم ، ألا ترون إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه ، فمن وجد من ذلك شيئاً فليلصق خده بالأرض " رواه الترمذي وقال حديث حسن . 
وهذا إشارة (1) إلى الأمر بالسجود وتمكين أعز الأعضاء من أذل المواضع لتستشعر به النفس الذل وتزيل به العزة والزهو الذي هو سبب الغضب . 

والاغتسال بالماء البارد (8) أو غسل الوجه واليدين به ، أحدث توصية طبية لها أثرها البالغ في تهدئة الجهاز العصبي . فالغضب (9) يتولد من الحرارة العامة والتعرق والإحساس بالضيق ، ويأتي الماء البارد ليخفف من هذا الأعراض . والوضوء الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم يضفي ، فوق ذلك ، شعوراً بالعبودية لله عند قيام الغاضب بهذا الفعل التعبدي ، يزيد من إحساسه بالأمن والرضى . وهذا مصداق ما رواه عطية السعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا غضب أحدكم فليتوضأ فإنما الغضب من النار " وفي رواية " إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ " رواه داود .
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

مراجع البحث : 

1. الإمام أبو حامد الغزالي : " إحياء علوم الدين " .

2. الإمام ابن حجر العسقلاني : " فتح الباري شرح صحيح البخاري " . 

3. د. حسان شمسي باشا : " قبسات من الطب النبوي " ـ مكتبة السوداي1992

4. د. محمود البرشة : " الغضب وأثره السيء على البدن " صدى الإيمان ع 2 م 1 1996

5. د. إبراهيم الراوي : " موقف الإسلام من الإصابة السرطانية " حضارة الإسلام م 1ع 8 ـ 1966

6. د. عبد الرزاق الكيلاني : " الحقائق الطبية في الإسلام " 

7. د. حامد الغوابي : " الحلم والغضب " ، لواء الإسلام م 10 ع 11 ـ 1957

8. د. إبراهيم الراوي : " الإنفعالات النفسية " حضارة الإسلام م 15 ـ ع 7 ـ 1974

9. الإمام المناوي : " فيض القدير شرح الجامع الصغير " .

العلاقه بين كف الانسان الماسح وراس اليتيم الممسوح

الإعجاز في مسح رأس اليتيم



العلاقه بين كف الانسان الماسح وراس اليتيم الممسوح]

في الحرب العالمية الثانية خصصت عنابر ليتامى الحرب من الأطفال، ولوحظ في حينها أن عنبرامنها كان أطفاله أكثر هدوءا وسكينة، وأقل نسبة وفيات من غيره، وكانوا طيعين أكثرلممرضاتهم، يستمعون لكلامهن وينفذون أوامرهن وطلباتهن، وكانت كل هذه الملاحظات دافعا قويا لأحد الأطباء لطرح سؤال مهم على نفسه:لماذا أطفال هذا العنبر بالذات يتصفون بهذه الصفات؟!

وبدأ يقارن بين هذا العنبر وغيره فوجد أن طعام العنابر كلها متشابه، والعناية الطبية فيها متشابهة، ولم يميز ذلك العنبر عن غيرهإلا أمر واحد فقط أن امرأة عجوزا تسكن بالقرب منهم تزورهم كل يوم تمسح على رؤوسهم وتحتضنهم، وكانت المفاجأة الكبرى أن نسبة الوفيات والمرض وكذلك التخلف العقلي عندالذين حرموا من اللمس أعلى ممن كانوا يٌلمسون!

فسبحان الله حتى الحيوانات( أعزّكم الله)تلامس صغارها وتُشعرهم بوجودهم وتشجعهم وبالتالي استمرارحيا تهاواعتمادهم على انفسهم فيما بعد
(ســــبـــ حـــان من علمها)

قال تعالى(وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌلَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُو هُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِد َ مِنَ الْمُصْلِح ِ) سورة البقرة الآية 220
أريد منك عزيزيالقارئ التمعن في النقاط الآتية وربطها لتدرك أهمية وقيمة "المسح على رأس اليتيم" كما أوصى به هادي الأمة وشفيعها يوم الدين رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم:

· منطقة الرأس هي منطقة طاقة الاتصال المحيطي والطاقة الإيمانية (وهي الطاقة ما يسمى الأب)وهي المنطقة التي تبين مدى تفاعل الإنسان معالناس ومع البيئة أم أنه منطوي (اليتيم)وف يها تكون حالة الدماغ (الذبذبات الموجية)

عالية تصل إلى 10 أضعاف.

· توجد في كف الإنسان جميع مجساتا لأعضاء الداخلية.

· توجد في وسط الكف منفذ طاقة الكف العلاجية.

· منطقة الرأس هي منطقة الكرامة والسمو عند الإنسان.

· يوجد فيها الجهازالعصبي.وفي الدماغ توجد جميع الأعضاء في مناطق معينة في الدماغ.

· التفكير (تفكير اليتيم)يؤثر على جميع الأعضاء الداخلية والحالة النفسية.
· عندمايوجه الشخص يده إلى رأس اليتيم فإن كل مشاعر الشخص وفكره الإيجابي يتوجهلكفه.

·وهناك تقنية في العلاج بالطاقة وهي "تقنية العلاج بالمسح". فعندمايضع الشخص يده على رأس اليتيم يحدث اتصال موجي بين موجات الشخص (+) معموجات اليتم (-)

. وعندما يمسح فهو يقوم بإزاحة وإزالة تلك الموجات السلبيةالتي يحملها ذهن اليتيم.وبت كرار هذه العملية (عملية المسح) تهدأ ذهن اليتيم وتطمئن ويرتاح جسده.

والشيء الجميل أنه يحدث لكلا الشخصين (الشخص الماسح واليتيم) علاج عضوي من جراء هذه العملية

لذلك كان حرص المصطفى عليهالصلاة والسلام على لمس رأس اليتيم لم يكن عبثاً، ففي الحديث الشريف قال عليه الصلاة والسلام:«من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يدهحسنات»والمسح على شعره تعويضا له عن حنان الوالد الذي فقده، وأثر ذلك على قلب الطفلاليتيم من الراحة والطمأنينة والسكينة، وزرع الحب و الثقه بنفسه ورفع الروح المعنويةلديه وحثه على الاستمرار والمواصلة للوصول الى معالي الأمور بإذن الله تعالى.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:«أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجليشكو قسوة قلبه فقال صلى الله عليه وسلم

أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ؟ارحماليتيم وامسح رأسه ؛وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك »

●إن سعي الجوارح للخير دائما فيه ما يلين ذلك القلب، وإن كان القلب هو ملاكالإنسان كله، فإن الجوارح العاملة بالخير تجعل سيدها في أحسن هيئة، وأفضل حال، بل تجبره على أن يكون حسنا كما الجوارح حسنة،

●إن التصدق بالمشاعر، والتبرعبالأحاسيس، يزيل سواد القلب، ويخلصه مما شابه من سوء الفعل والقول، وتجديد لنشاطهمن جديد، وتحلية له بعمل هو من أحب الأعمال إلى الله تعالى

●وربما تكون صدقةالمشاعر دافعة لصدقة الأموال(تصدق بطعام أو شراب، أو كساء جديد لليتيم، )

فيجمع الإنسان بين صدقة القلب وصدقة الجوارح، فيكون كل ما في الإنسان مشغولا بطاعة الله تعالى، والإحسان إلى الغير

وهذا الحد الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم من مسح شعراليتيم و الحد الذي لا يستعصي على أحد، ويمكن أن يقوم به كل أحد،

●وممكن ان يتعدى ذلك الى كفالته فثوابها صحبة الحبيب صلىالله عليه وسلم، كما قال صلى الله عليه وسلم:" أنا وكافل االيتيم في الجنة هكذا.وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا(رواهالبخاري)

الخلاصة

بالرغم من ان العمل الذييقوم به الإنسان إتجاهاليتيم يُعد قليلاً لكن يقابله الثواب الكبير فيالدنيا والآخره:«رقة القلب،ومصا حبة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة»


ذكرالله سبحانه وتعالى لفظ اليتيم في القرآن الكريم ثلاثًا وعشرين مره والسرفي ذلك هو اليتيم، وكأن في اليتيم أسرارا يجب أن ننتبه إليها، وأن يتوجهالمجتمع المسلم إلى هذا اليتيم، ليعوضه عما فقد من والده، حتى لا يشعراليتيم بيتمه، فإن كان غيراليتيم معه والد واحد، فإن الإسلام يأمر أن يكون مع اليتيم آباء كثر، بل شجع على هذا بما لا يدع مجالا للتخلف عن الحصول على جائزة الله،وما يعرض عن هذا إلا قاسي القلب

الإعجاز العلمي في أحاديث النوم على الشق الأيمن

الإعجاز العلمي في أحاديث النوم على الشق الأيمن



مقدمة:


خلق الله جسم الإنسان وجعل أجزاءه مترابطة بعضها بالبعض؛ 
لا يستقيم جزء بغير الجزء الآخر، وجعل له حاجات وطلبات لا يمكنه الاستغناء عنها, ومن تلك الحاجات الفطرية النوم.
 
والنوم من أعظم نعم الله تعالى علينا, حيث جعله الله راحة للجسم البشري، يستجم بعده النشاط، وتعود القوة المنهكة، ولا يمكنه أن يستغني عنه، ولو أرق وطال به السهر فإنه يقلق ويهتم، ويلتمس من العلاج ما يعيد له النوم لينعم بلذته، وينام مع الناس الذين يهدؤون في الليل في سبات عميق.
 

هذا النوم الذي يطلبه الناس إذا جاء وقته، ويطلب هو صاحبه، كلما أحس بالتعب ينهك قواه من جراء عمل متواصل، أو جهد مبذول. 

وكثير من الناس قلما يشعرون بالحكمة التي هيأها الله بهذا النوم، ولا دراية عندهم بآداب هذا النوم التي رسمها الإسلام وما وراء ذلك من مصالح وفوائد.
 

وقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته آداباً كثيرة، للنوم بالاستعداد والدعاء، والوقت والهيئة لأهمية النوم من ناحية، ولرعاية الإسلام للنفس البشرية من ناحية أخرى، ومن تلك الآداب النوم على الشق الأيمن, كما جاء في الأحاديث الشريفة.
 

وهاهو العلم الحديث اليوم يثبت أن هذه الهيئة هي أفضل الهيئات للنوم وأكثرها نفعاً للجسم, وفي هذا البحث سنلتفت إلى شيء من هذه الفوائد التي قررها العلم الحديث, ومن خلال هذه الفوائد يتجلى الإعجاز العلمي والتشريعي لهذه التعاليم النبوية. 

الأحاديث الواردة في النوم على الشق الأيمن: 





أرشدت الأحاديث النبوية إلى النوم على الشق الأيمن, وفي الوقت نفسه جاء النهي عن النوم على هيئات أخرى, فمما جاء في النوم على الجانب الأيمن حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن, ثم قل:

اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك, لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك, اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت, فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة, واجعلهن آخر ما تتكلم به", 

قال: فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغت اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت قلت ورسولك, قال: 

"لا ونبيك الذي أرسلت"(1).
 


وفي رواية أخرى: عن البراء بن عازب 
t قال:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن ثم قال:

"اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت" 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 

"من قالهن ثم مات تحت ليلته مات على الفطرة"(2).


وعن سهيل قال: كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن ثم يقول:

"اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته, اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر".

وكان يروى ذلك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم(3).
 


وعن أبي هريرة
 t: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه وليسم الله فإنه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه, فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقه الأيمن وليقل:

سبحانك اللهم ربي بك وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فاغفر لها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين"(4).



وعن أبي قتادة 
t قال:

"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر فعرس بليل اضطجع على يمينه, وإذا عرس قبيل الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه"(5).


وعن حفصة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اضطجع على فراشه اضطجع على شقه الأيمن ويقول : 

"اللهم قني عذابك يوم تجمع عبادك",

وكانت يمينه لطعامه وشرابه وثيابه وأخذه وإعطائه, وشماله لطهوره, وكان يصوم ثلاثة أيام من كل شهـر يـوم الاثنين ويـوم الخميس وفي الجمعة الثاني يوم الاثنين(6).



وكان رسول الله 
r يتوسد يمينه عند النوم, فعن البراء بن عازب t قال: 

قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلـم: 

"إذا أويت إلى فراشك وأنت طاهر فتوسد يمينك"(7) .


وقد جاء النهي عن النوم على البطن, فعن قيس بن طخفة الغفاري عن أبيه قال:

أصابني رسول الله صلى الله عليه وسلم نائماً في المسجد على بطني, فركضني برجله, وقال: 

"مالك ولهذا النوم, نومة يكرهها الله أو يبغضها الله"(8).
 



وفي التعليق على هذه المسألة يقول ابن القيم: 

«وأنفع النوم: أن ينام على الشق الأيمن؛ ليستقر الطعام بهذه الهيئة في المعدة استقراراً حسناً؛ فإن المعدة أميل إلى الجانب الأيسر قليلاً, ثم يتحول إلى الشق الأيسر قليلاً ليسرع الهضم بذلك لاستمالة المعدة على الكبد, 

ثم يستقر نومه على الجانب الأيمن ليكون الغذاء أسرع انحداراً عن المعدة, فيكون النوم على الجانب الأيمن بداءة نومه ونهايته, وكثرة النوم على الجانب الأيسر مضر بالقلب بسبب ميل الأعضاء إليه فتنصب إليه المواد.
 
وأردأ النوم النوم على الظهر, ولا يضر الاستلقاء عليه للراحة من غير نوم, وأردأ منه أن ينام منبطحاً على وجهه, قال أبقراط في كتاب التقدمة: وأما نوم المريض على بطنه من غير أن يكون عادته في صحته جرت بذلك يدل على اختلاط عقل وعلى ألم في نواحي البطن, قال الشراح لكتابه: 

لأنه خالف العادة الجيدة إلى هيئة رديئة من غير سبب ظاهر ولا باطن, 
وقد قيل:

إن الحكمة في النوم على الجانب الأيمن أن لا يستغرق النائم في نومه لأن القلب فيه ميل إلى جهة اليسار فإذا نام على جنبه الأيمن طلب القلب مستقره من الجانب الأيسر وذلك يمنع من استقرار النائم واستثقاله في نومه بخلاف قراره في النوم على اليسار فإنه مستقره فيحصل بذلك الدعة التامة فيستغرق الإنسان في نومه ويستثقل فيفوته مصالح دينه ودنياه
»(9).


العلم الحديث يكشف فوائد النوم على اليمين:
 


كشف العلم عن العديد من فوائد النوم على اليمين, وأنه الهيئة المثلى للنوم,

وفي الوقت نفسه توصل العلماء إلى العديد من مضار النوم على البطن,فحين ينام الشخص على بطنه كما يقول د.ظافر العطار يشعر بعد مدة بضيق في التنفس؛ 

لأن ثقل كتلة الظهر العظمية تمنع الصدر من التمدد والتقلص عند الشهيق والزفير كما أن هذه الوضعية تؤدي إلى انثناء اضطراري في الفقرات الرقبية وإلى احتكاك الأعضاء التناسلية بالفراش مما يدفع إلى ممارسة العادة السرية, كما أن الأزمة التنفسية الناجمة تتعب القلب والدماغ.
 

ولاحظ باحث أسترالي ارتفاع نسبة موت الأطفال المفاجئ إلى ثلاثة أضعاف عندما ينامون على بطونهم بالنسبة إلى الأطفال الذين ينامون على أحد الجانبين.
 



كما نشرت مجلة التايم دراسة بريطانية مشابهة تؤكد ارتفاع نسبة الموت المفاجئ عند الأطفال الذين ينامون على بطونهم(10).
 



أما النوم على الظهر فإنه يسبب -كما يرى الدكتور العطار- التنفس الفموي, لأن الفم ينفتح عند الاستلقاء على الظهر لاسترخاء الفك السفلي,لكن الأنف هو المهيأ للتنفس؛ لما فيه من شعر ومخاط لتنقية الهواء الداخل، ولغزارة أوعيته الدموية المهيأة لتسخين الهواء, وهكذا فالتنفس من الفم يعرض صاحبه لكثرة الإصابة بنزلات البرد والزكام في الشتاء، كما يسبب جفاف اللثة ومن ثم إلى التهابها الجفافي، كما أنه يثير حالات كامنة من فرط التصنع أو الضخامة اللثوية. 



ومن مضار هذه الوضعية أيضاً أن شراع الحنك واللهاة يعارضان فرجا الخيشوم ويعيقان مجرى التنفس فيكثر الغطيط والشخير, كما يستيقظ -المتنفس من فمه- ولسانه مغطى بطبقة بيضاء غير اعتيادية إلى جانب رائحة فم كريهة. 



وهذه الوضعية غير مناسبة للعمود الفقري؛ لأنه ليس مستقيماً فيؤدي ذلك إلى انثناءين رقبي وقطني, كما تؤدي عند الأطفال إلى تفلطح الرأس إذا اعتادها لفترة طويلة.(11)
 


أما النوم على الشق الأيسر فهو غير مقبول أيضاً لأن القلب حينئذ يقع تحت ضغط الرئة اليمنى، والتي هي أكبر من اليسرى مما يؤثر في وظيفته ويقلل نشاطه وخاصة عند المسنين, كما تضغط المعدة الممتلئة عليه فيزيد الضغط على القلب, وأما الكبد الذي هو أثقل الأحشاء فإنه ليس بثابت بل معلق بأربطة وهو موجود على الجانب الأيمن فيضغط على القلب وعلى المعدة مما يؤخر إفراغها؛ فقد أثبتت التجارب التي أجراها غالتيه وبوتسيه أن مرور الطعام من المعدة إلى الأمعاء يتم في فترة تتراوح بين 2,5 - 4,5 ساعة إذا كان النائم على الجانب الأيمن ولا يتم ذلك إلا في 5 - 8 ساعات إذا كان على جنبه الأيسر.(12)
 


فالنوم على الشق الأيمن هو الوضع الصحيح لأن الرئة اليسرى أصغر من اليمنى فيكون القلب أخف حملاً, ويكون الكبد مستقراً لا معلقاً, والمعدة جاثمة فوقه بكل راحتها, وهذا كما رأينا أسهل لإفراغ ما بداخلها من طعام بعد هضمه, كما يعتبر النوم على الجانب الأيمن من أروع الإجراءات الطبية التي تسهل وظيفة القصبات الرئوية اليسرى في سرعة طرحها لإفرازاتها المخاطية.
 


وينقل الدكتور الراوي ويضيف قائلاً: إن سبب حصول توسع القصبات للرئة اليسرى دون اليمنى هو أن قصبات الرئة اليمنى تتدرج في الارتفاع إلى الأعلى حيث أنها مائلة قليلاً مما يسهل طرحها لمفرزاتها بواسطة الأهداب القصبية, أما قصبات الرئة اليسرى فإنها عمودية مما يصعب معه طرح المفرزات إلى الأعلى فتتراكم تلك المفرزات في الفص السفلي مؤدية إلى توسع القصبات فيه والذي من أعراضها كثرة طرح البلغم صباحاً, وهذا المرض قد يترقى مؤدياً إلى نتائج وخيمة كالإصابة بخراج الرئة والداء الكلوي, وإن من أحدث علاجات هؤلاء المرضى هو النوم على الشق الأيمن.(13)
 

وقد أظهرت الدراسات الطبية أن الإنسان عندما ينام على جانبه الأيمن تكون الخلية الشمالية للقلب مرتفعة بقدر أربع سنتيمترات تقريباً. وإذا نظرنا إلى شكل القلب نرى أنه لا يقع في الصدر عمودياً تماماً؛ بل إنه يميل إلى اليسار عند جانبه الأسفل، بينما يميل جانبه الأعلى إلى اليمين مقدار عشر درجات؛ لذا فإن النوم على الشق الأيمن يساعد في تدفق الدم من الخلية اليسرى العالية من القلب إلى سائر أنحاء الجسم عبر وريد الأورطى، بما يريح القلب لأن جميع الأعضاء تكون في أسفله أو في مستواه. هذه الراحة لا يشعر بها القلب في حالة القيام والجلوس والمشي؛ لأنه في هذه الأحوال يضطر القلب أن يضخ الدم إلى الأعضاء العالية بمقدار تسعين درجة.
 
وعند استلقاء الإنسان على الظهر يجري الدم إلى معظم أجزاء البدن بدون تعسر ماعدا جانب الجبهة من الرأس؛ لأن القلب يكون مساوياً للجسم، ولكن هذه الحالة لا تريح القلب كحالة الاضطجاع على الشق الأيمن، حيث يكون صمّام القلب مائلاً إلى الجانب الأيمن فيساعد على تدفق الدم.(14)
 


ويعتقد بعض الناس أن القلب يرتاح إذا اضطجع الإنسان على الجانب الأيسر أيضاً، ولكن الطب أثبت عكس ذلك؛ لأن القلب يحتاج إلى بذل طاقة لكي يضخ الدم من الخلية اليسرى التي تكون في الأسفل إلى وريده الأورطى الذي يقع على ارتفاع عشر درجات منه، والدم في هذه الحالة لا يجري طبيعياً حسب قانون الجاذبية إلا إلى 45% من أجزاء الجسم. كما أن شكل وريد الأورطى يكون ملتوياً بعد خروجه من القلب، وبهذا الالتواء لا يتمكن من إيصال الدم إلى الجانب الأيمن للرأس وسائر الأعضاء. وحينما نستخدم الوسادة عند النوم يكون الرأس عالياً عن مستوى القلب، وتظهر هنا الحكمة في عادة الرسول صلى الله عليه وسلم بوضع الوسادة الخفيفة عند النوم أو وضع يده اليمنى تحت الخد الأيمن.



وهناك عروق وشرايين كثيرة تتشعب من القلب لإيصال الدم إلى أعضاء الجسم، وحسب طبيعة نظام وقوع هذه العروق والشرايين وأشكالها، فإنه يزيد جريان الدم فيها عند تأدية حركات الصلاة من سجود وقيام وقعود، وكذلك عند النوم على الجانب الأيمن. 


وقد اكتشف الدكتور جون مانج الأستاذ بجامعة لوربول أن الجهة اليمنى للدماغ تقوم بمهمات أكبر من الجهة اليسرى، ويدل هذا الاكتشاف على أن النوم على الشق الأيسر غير صحي، كما أنه مخالف لطبيعة الجسم؛ لأنه يؤدي إلى تقليل تدفق الدماء إلى الجهة اليمني للدماغ التي تحتاج إلى مقدار وافر من الدماء؛ لأنها هي التي تسيطر على معظم نشاطات الجسم, وبالتالي فإن النوم طوال الليل على الظهر أو على الجهة اليسرى يعرقل وصول الدم إلى جميع أعضاء الجسم.(15)
 



ويرى الدكتور محمد محفوظ أن النوم على اليمين من أسباب الوقاية من الارتجاع الحمضي, ويعرف الارتجاع الحمضي للمعدة من اسمه بأنه عودة بعض محتويات المعدة من الطعام والسوائل الهضمية الحمضية إلى المريء والبلعوم مما يؤدي للشعور بألم أو حرقة بأعلى البطن أو خلف عظم القص ويصاحبه أحياناً تجشؤ وشرقة نتيجة ضعف في عضلة أسفل المريء القابضة, فيقول الدكتور محمد: إنني لاحظت من دراسة أجريتها بنفسي لأكثر من 600 مريض يعانون من هذا المرض أن أكثر من 95% منهم لا ينامون على الشق الأيمن من أجسامهم!, ففوائد النوم على الشق الأيمن يطول الحديث عنها ولكن بخصوص الارتجاع الحمضي للمعدة وجدت من خلال دراساتي أن التكوين التشريحي لعضلة الفؤاد يغلق بإحكام تام عند النوم على الشق الأيمن بعكس كل الأوضاع الأخرى, كذلك أثبت العلم بأن الإفراز الحمضي للمعدة يزيد ليلاً, أي عند النوم فتخيل أخي القارئ إن لم يحكم إغلاق عضلة الفؤاد ماذا سيحدث!, كذلك أثبت العلم بأن النوم على الشق الأيمن يساعد في تسريع عملية الهضم وتفريغ المعدة من الطعام والشراب.(16)


وجه الإعجاز:
 

جاء الدين الإسلامي الحنيف ليعلم العباد كيف تكون العبادة الصحيحة, وكيف يمارس الناس عاداتهم بسلامة ورشد, ومن تلك العادات النوم, ففي الهدي النبوي العديد من الآداب والأحكام المتعلقة به, ومن أهمها النوم على الجانب الأيمن.




وقد كشف العلم الحديث عن الكثير من فوائد النوم على الشق الأيمن, وفي الوقت نفسه كشفت تلك الأبحاث عن بعض مضار النوم على غير الشق الأيمن, وهذا كله جاء متأخراً على الوحي الذي أنزله الله تعالى على رسوله محمد 
r, إلا أنه جاء مؤكداً ومدللاً على صحة ما أرشد إليه نبينا الكريم r, حتى يكون ذلك شاهداً على أن هذا النبي r ما كان ينطق بكلام من عنده, وإنما هو كلام رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلب سيد الخلق أجمعين r.



مراجعة: علي عمر بلعجم 5/9/2007م

(1) - أخرجه البخاري في صحيحه 1/97, برقم: 244, ومسلم في صحيحه 4/2081, برقم: 2710.
(2) - أخرجه البخاري في صحيحه 5/2327, برقم: 5956.
(3) - أخرجه مسلم في صحيحه 4/2084, برقم: 2713.
(4) - المرجع السابق 4/2084, برقم: 2714.
(5) - المرجع السابق 1/467, برقم: 683.
(6) - أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده 4/190-191, برقم: 1987, قال المحقق د/عبد الغفور البلوشي في تعليقه على مسند إسحاق: رجاله بين ثقة وصدوق.
(7) - أخرجه أبو داود في سننه 2/731, برقم: 5047, وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 3/952, برقم: 4220.
(8) - أخرجه ابن ماجة في سننه 2/1227, برقم: 3723, وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه 2/305, برقم: 3000.
(9) - زاد المعاد لابن القيم 4/219.
(10) - الاضطجاع على الشق الأيمن, نقلاً عن موقع: 
(11) - المرجع السابق.
(12) - المرجع السابق.
(13) - الاضطجاع على الشق الأيمن, نقلاً عن موقع: 
(14) - صلاة التهجد تساعد على تدفق الدم إلى الجانبين, يوسف أبو بكر المدني, مجلة المجتمع, العدد 1697, تاريخ: 15/4/2006
(15) - المرجع السابق.
(16) - الارتجاع الحمضي وعلاجه, الدكتور محمد محفوظ, مجلة الإسلام اليوم العدد 13, ذو القعدة 1426, ديسمبر 2005,

سورة المدثر مدخل إلى الإعجاز العددي

سورة المدثر مدخل إلى الإعجاز العددي
(اقرأ باسم ربك الذي خلق ) هي أول ما نزل في النبوة ، بل أول ما نزل مطلقاً. أما(يا أيها المدثر ) فهي أول ما نزل في الرسالة. جاء في ( البرهان )للزركشي أن النبوة عبارة عن الوحي إلى الشخص على لسان المَلَك بتكليف خاص . والرسالة عبارة عن الوحي إلى الشخص على لسان المَلَك بتكليف عام . وما يهمنا في هذا المقام سورة (المدّثر ) ، والتي هي أول ما نزل في الرسالة. وبما أن السورة لم تَنْزِل جملة واحدة ، فإنها تسجل لحظات البداية ، وما تبعها من تكذيب ومعاندة، ومحاولات لإبطال الحقيقة القرآنية. كما وتتحدث السورة عن الإخفاق الذي مُني به أهل الشرك في مجال الحجة ،مما دعاهم إلى سلوك طريق المعاندة والإعراض شأن كل متكبر ، وشأن كل من تطغى على عقله وقلبه الشهوات والمصالح ، وشأن كل من يألف الواقع بسلبياته فينفر من كل تغيير وإن حمل الخير والبركة .هنا لا بد من صدمة التهديد والوعيد ، لإسقاط الحواجز والحجب، ولا بد من الشعور بالخطر لاستنفار الطاقات ، والخروج عن مألوف العادات والتقاليد ، فكان التهديد بـ(سقر ) وهي جهنم التي لا تبقي على شيء : (لا تبقي ولا تذر ) ، والتي من شأنـها أن تحرق فتغير كل معالم الجمال المؤقت الذي يَغترّ به الذاهلون عن حقيقة الدنيا الزائفة : (لواحة للبشر ، عليها تسعة عشر ). يقوم عليها (تسعة عشر ) من الملائكة ، يحتمل أن يكونوا تسعة عشر فردا من هذه المخلوقات الكريمة ، أو تسعة عشر نوعاً أو صنفاً لا ندري . 
يقول سيد قطب في الظلال :( أما لماذا كانوا تسعة عشر - أياً كان مدلول هذا العدد - فهو أمر يعلمه الله الذي ينسق الوجود كله ، ويخلق كل شيء بقدر ) . هذا كلام مقبول وجميل ، ولكن هل يعتبر العدد هنا من قبيل المتشابه الذي لا مطمع للإنسان في إدراك بعض حكمه ومراميه، أم أنّهُ الإشارة التي تطلق العقل البشري في اتجاه مفاتيح الكثير من المعاني والأسرار ؟ ! فالأصل أن يُعمل الكلام ولا يُهمل. 
(عليها تسعة عشر ، وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة ، وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا … ): لقد فصّل القرآن الحديث حول هذا العدد اللغز : ( وما جعلنا عدتـهم إلا فتنة للذين كفروا …). ولا نريد هنا أن نتحدث عن معاني (جعل )، ولكن ببساطة نجد أن الآيات تنص على أن هذا العدد هو مجرد فتنة للذين كفروا ، وإذا رجعنا إلى معنى كلمة ( فتنة) نجد أن الفتنة في الأصل هي عملية تعريض خام الذهب للنار ، من أجل تمييز الذهب عن باقي الشوائب بالصهر ، وعليه تكون كل عملية يقصد بـها استخراج الصالح وتمييزه عن الطالح (فتنة ). فالفئة المستهدفة إذن هي (معسكر الكفر). ومن شأن قضية (19) -كما نص القرآن الكريم - أن تكون (فرّازة ) تميز الصالح من غير الصالح . أمّا قول من قال من المفسرين بأن ذكر العدد (19) في الآية من شأنه أن يفتن المشركين من قريش بجعل المسألة موضعاً للبحث والهزء ، فإن هذا القول يجعل الفتنة ذات نتيجة سلبية فقط ، لا ينتج عنها خير ، في حين أن للفتنة وجوهاً ونتائج ترتبط بحقيقة كل فرد تعرض لها ، وما يعلم الله منه ، وما يريد عز وجل ،فيضّل الله من يشاء ، ويهدي من يشـاء . أنظر قوله تعالى في سورة الأعراف على لسـان موسى عليه السـلام : ( إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء ). 
(وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ، ويزداد الذين آمنوا إيمانا ، ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون ،وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا ً…). 
يقول مصطفى خيري في المقتطف من عيون التفاسير : "هذا العدد إنما صار سبباً لفتنة الكفّار من وجهين : 
1-يستهزئون ويقولون : لِمَ لَمْ يكونوا عشرين . 
2- ويقولون : كيف يكونون وافين بتعذيب أكثر خلق العالم من أول الخليقة إلى يوم القيامة ، فمدار هذين السؤالين عدم الاعتراف بكمال قدرة الله ". واضح أن هذا يتعلق بالكافر الذي يقوده منهجه الخاطئ إلى نتائج خاطئة ، ولكن يبقى السؤال قائماً : كيف يمكن لهذا العدد أن يفرز معسكر الكفر ، ليخرج منه من يؤمن فيكون في معسكر الإيمان؟ 
أما كيف سيكون هذا العدد ، أو هذه الفتنة سبباً وعلةً ليقين أهل الكتاب ؟ فيقول أكثر أهل التفسير (( حيث يجدون ما أخبرنا به الله تعالى من عدّة أصحاب النار موافقاً لما ذكر عندهم )). فلا ندري كيف تكون المطابقة في معلومة مؤدية إلى يقين أهل الكتاب ؟ ونحن نعلم أن هناك مطابقة في قضايا مختلفة ، وهناك اختلاف أيضا ، وما الذي يمنع أن تفسر المطابقة أنها اقتباس ؟ وإذا كانت الموافقة في هذه المعلومة الصغيرة يمكن أن تؤدي إلى يقين أهل الكتاب ، وإلى ازدياد الذين آمنوا إيمانا، فكيف يمكن أن تقطع دابر الريبة : (ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون ) . وهل يعقل أن ينتج كل هذا عن المطابقة في معلومة تقول إن خزنة جهنم هم تسعة عشر ؟ 
( وليقول الذين في قلوبـهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بـهذا مثلا ): يذهب الكثير من المفسرين في تفسير قوله تعالى ( ماذا أراد الله بـهذا مثلا ً) إلى أن هذا العدد مستغرب استغراب المثل .وذهب آخرون إلى أنّ المثل هو الوصف، أي : ما الذي يعنيه من وصف الخزنة بأنـهم تسعة عشر ، فهذه العدة القليلة كيف تقوى على تعذيب أكثر الثقلين من الجن والإنس؟ 
ذهب الكثير من المفسرين إلى القول بأن هذه الآيات تخبر عما يحدث في المستقبل. ودعاهم إلى هذا القول أن السورة مكية ومن أوائل ما نزل ،ثم هي تتحدث عن المنافقين (الذين في قلوبـهم مرض ) ، والنفاق لم ينجم إلا في المدينة ، وهذا مقبول إلى حد ،ولكن تفسير المثل على أنه الوصف مع صحته لم يحل الإشكال في الفهم ،وسنحاول هنا أن ندلي برأي قد يساهم في تفسير الآية . 
نقول :لو سألت يهودياً أو نصرانياً عن أدلة وجود الخالق لوجدته يقدم الأدلة بمنهجية المسلم تقريباً، وهي منهجية تخالف منهجية الملحد .ولو سألت يهودياً أو نصرانيا حول النبوّات والغيبيات لوجدته كذلك يدلل بمنهجية تشابه إلى حد منهجية المسلم ، إذ الخلاف ليس في الإيمان بالغيب ، وفي الفكرة الدينية ، بل في مطابقة الإيمان للواقع أو عدم مطابقته ،وهو خلاف أيضاً في تفصيلات الشريعة،ومن هنا لا يتجادل المسلمون وأهل الكتاب في وجود الخالق ، بل في صفاته وأفعاله وأحكامه وشرائعه . أما أهل الكفر والنفاق فينكرون الفكرة الدينية من أساسها ، ويجعلون المادة المحسوسة غاية الغايات، ونـهاية النهايات . 
والآن لنعد إلى تفسير قوله تعالى : (وليقول الذين في قلوبـهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بـهذا مثلا ً) :لقد ذكر العدد (19) في معرض التهديد بـ(سقر ) وأنه يقوم عليها ( تسعة عشر )، ولا بد أن يستشكل الناس الأمر ، إذ لو وصفت النار بأنـها (محرقة ) لفهم ذلك ، لان لدينا المثل على الإحراق في الدنيا ، وإن اختلف في طبيعته عن الإحراق الأخروي ، حيث يمكن للمثل الدنيوي المحسوس أن يجعلنا نفهم المقصود بالتهديد .وكذلك الأمر لو قال (مؤلمة ) ، لأن لدينا المثل الدنيوي ، فقد خبرنا الألم ونعرفه . ولكن عندما يهددنا بـ (تسعة عشر ) فهذا لا مثل له، لأن التهديد بالعشرين أعظم من التسعة عشر . ثم ما الفرق بين السبعة عشر والتسعة عشر ؟! 
يقول الزمخشري في الكشاف موضحاً ذلك "فيراه المؤمنون حكمة ، ويذعنون له لاعتقادهم أن أفعال الله كلها حسنة وحكمة فيزيدهم إيمانا ،وينكره الكافرون ويشكون فيه، فيزيدهم كفراً وضلالاً ". وقال الكعبي : " المراد من الفتنة الامتحان حتى يفوض المؤمنون حكمة التخصيص بالعدد المعين إلى علم الله الخالق سبحانه".كلام الزمخشري والكعبي مقبول وجميل . والذي نراه أن منهج الذين يؤمنون بالفكرة الدينية ،وبالأمور الغيبية ، وبالوحي السماوي ، يقتضي أن يبحثوا عن حكمة ذكر هذا العدد ، وعن حكمة كون القوى القائمة على أمر جهنم هي تسعة عشر ، فالأمر على ما يبدو يتعلق بسنة كونية ،والأصل أن نُعمل عقولنا مع تسليمنا بقصور العقل البشري ، فالقرآن وسّع من أفق المؤمن ، وصوّب منهجية التفكير لديه ،ودعاه إلى التفكر والتدبر .وليس هناك ما يدعونا إلى اعتبار القضية المطروحة من القضايا التي لا يعمل في فهمها العقل البشري . 
يقول محمد الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير : "فالله جعل عدة خزنة النار تسعة عشر لحكمة أخرى غير ما ذكر هنا ،اقتضت ذلك الجعل ، يعلمها الله". نقول : لا شك أن الحكمة يعلمها الله ، ولكن هل هي مما استأثر بعلمه ؟؟ يقول ابن عاشور: ((وتلك العدة المجعولة لفوائد أخرى لغير الذين كفروا ، الذين يفوضون معرفة ذلك إلى علم الله وإلى تدبر مفيد )). لاحظ قوله "وإلى تدبر مفيد". فاعتقاد المؤمن بأن القرآن الكريم هو كلام الله العليم الحكيم ،يجعله يقف الموقف الإيجابي ، فيعمل عقله ، ويتدبر آيات القرآن ، وآيات الكون المخلوق ، لعلمه بأن الله أنزل ، وبأن الله خلق . ومن هنا لا يصح أن نسارع إلى تفويض علم ذلك إلى الله تعالى ونقطع الأمل في إمكانية إعمال العقول في مثل هذه الكنوز والأسرار .ولا يتناقض سعينا إلى العلم والمعرفة مع تسليمنا بقصور العقل البشري عن إدراك كل الحقيقة ،بل إن الزيادة في المعرفة البشرية لهي الدليل القاطع على قصوره الدائم . ثم أليس التدبر من واجبات المسلم الأساسية ؟ 
أصحاب المنهج الإيماني تقودهم منهجيتهم إلى الوصول وإدراك الحكمة . أمّا أصحاب المنهج الإلحادي فيدورون في حلقة مفرغة لا توصلهم إلى فهم صحيح . فالمقدمات عندهم لا تقودهم إلى نتائج ، بل تجعلهم يتساءلون عن مفهوم العدد (19) ولماذا لا يكون العدد (20) ، بل لماذا لا يكون العدد (1000)؟؟ …وهكذا من غير نتيجة. 
(كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ) .هذا التعقيب يدل على أن الفتنة يقصد بـها فرز الناس وتمييزهم ، أنظر قوله تعالى : (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين ). ويبقى السؤال قائماً : كيف سيكون العدد (19) فتنة يخرج من رحمها اليقين ؟؟ 
( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) : يقول الزمخشري : "فلا يعز عليه الزيادة على عدد الخزنة المذكور ، ولكن في هذا العدد الخاص حكمة لا تعلمونها". ويقول الرازي : "وما يعلم جنود ربك لفرط كثرتها إلا هو ، فلا يعز عليه تتميم الخزنة عشرين ، ولكن له في العدد حكمة لا يعلمها الخلق ، وهو جل جلاله يعلمها". 
(وما هي إلا ذكرى للبشر ): يقول أبو بكر الجزائري في "نـهر الخير على أيسر التفاسير" : "جائز أن يكون الضمير (وما هي ) عائداً إلى عدة الملائكة التسعة عشر، وجائز أن يكون عائداً إلى الآيات القرآنية ، أو إلى سقر ، أو إلى جنود ربك . وهذا من الإعجاز القرآني ،وإن الكلمة الواحدة تدل على ما لا يدل عليه عشرات الكلمات". وعن النسفي : (وما هذه الآيات إلا ذكرى للبشر). ويقول الرازي : "انه عائد إلى هذه الآيات المشتملة على هذه المتشابـهات ، وهي ذكرى لجميع العاملين ، وان كان المنتفع بـها ليس إلا أهل الإيمان )). ويقول طنطاوي جوهري في (الجواهر) : "أي ما هذه السورة المشتملة على سقر وعدة الخزنة ..إلا تذكرة لهم " . ويقول ابن عاشور : "وضمير هي راجع إلى عدّتـهم". أمّا القاسمي فيقول : "وما هي أي عدتـهم المذكورة (إلا ذكرى للبشر ) أي عظة …وقيل الضمير ل(سقر ) ، وقيل للآيات ، والأقرب عندي هو الأول لسلامته من دعوى كون ما قبله معترضاً، إذا أعيد الضمير لغيره ، ولتأييده لما قبله بالمعنى الذي ذكرنا ". 
أقول : إذا كان الضمير يعود إلى (سقر ) فمفهوم معنى أنـها ذكرى للبشر ، وإذا كان الضمير يعود إلى الآيات فمفهوم أيضاً ، وإذا كان الضمير يعود إلى (عدّتـهم ) وهو الظاهر ، وهو ما رجحه القاسمي ، فكيف يكون العدد (19) ذكرى للبشر ؟؟ 
بعد هذا الاستعراض السريع لمعاني الآيات الكريمة نخلص إلى الآتي: 
1- لم يجعل القرآن الكريم عدداً من الأعداد موضوعاً يفصل الحديث فيه إلا العدد (19). 
2- إن الله تعالى جعل العدد (19) فتنة للذين كفروا ، وهذه الفتنة تؤدي إلى نتائج أربع: 
أ-تحقق اليقين لدى أهل الكتاب بأن محمداً عليه السلام رسول من الله . 
ب-زيادة إيمان المؤمنين. 
ج- ألاّ يعود هناك أدنى ريبة لدى أهل الكتاب، ولدى المؤمنين، وهذا يعني أن الدليل الذي يحصل به اليقين غير قابل للنقض. 
د- بقـاء مدلــول هذا العدد (19) مستغلقا على أهل الكفروالنفاق، فلا تتحصــل لديهم النتيجة المرجوة ،لوجود الخلل في منهجيتهم في البحث والاستـدلال ، ولفساد قلوبهم،وبالتالي لا تتحصل لديهم المعرفة المؤدّية إلى الاعتبار. 
3-من يقرأ الآيات الكريمة يشعر أنه أمام قضية كبيرة ( إحدى الكبر ). 
4-في القرن أل(19) ظهرت في إيران فرقة تسمى (البابّية ) ، وكان أول من تبع الزعيم المسمى( الباب ) ثمانية عشر شخصاً ، وعليه يكون المجموع (19) .وبعد مقتل (الباب) تحولت البابية إلى ما سمّي( البهائية ) وأصبح من مبادئها تقديس العدد (19) ، بل قسموا السنة إلى (19) شهراً ، وجعلوا الشهر (19) يوماً ، وجعلوا الأيام المتممة للسنة لفعل الخير بمفهومهم . وقد اعتبرت البهائية فرقة خارجة عن الإسلام ، ومن هنا نجد أن الكثير من علماء المسلمين يقفون موقف الشك والتردد من قضية العدد (19) ، وفي ظني أنه لا مسوغ لمثل هذا الموقف لأننا سنجد أن القضية استقرائية تتعلق ببنية الحروف والكلمات ، ولا يجوز أن يكون موقفنا ردة فعل لأوهام البعض وقد جعل القرآن الكريم من هذا العدد فتنة للذين كفروا . 
5- رشاد خليفة، مصري ، بـهائي، أقام في الولايات المتحدة ، وقد أخرج في أواخر السبعينات بحثاً يتعلق بالعدد (19) في القرآن الكريم ، وفي البداية تلقى الناس البحث بالقبول لعدم معرفتهم بأنه ملفّق ، وأنّ القائم عليه بـهائي مغرض ، ثم ما لبث رشاد خليفة أن ادعى النبوة مستنداً إلى العدد (19) ،وقد تزامن ادعاؤه هذا مع اكتشافنا بأن بحثه ملفق ومزوّر .ويجد القارئ تفصيل ذلك في كتابنا : (إعجاز الرقم 19 في القرآن الكريم ، مقدمات تنتظر النتائج ). 
كان لبحث رشاد خليفة الملفق ، ولمسلكه في ادعاء النبوة الأثر السلبي على قضية الإعجاز العددي ، وكأن الذين سُرُّوا للبحث وأعجبوا به أدركوا فيما بعد أنهم خدعوا ، فكانت لهم ردة فعل تجاه هذه القضية ، مع أن المسألة لا علاقة لها بالبهائية ، ولا برشاد خليفة ،بل إن القرآن كما هو واضح نَصّ على خصوصية هذا العدد، وكونه فتنة للذين كفروا ، ويقيناً لأهل الكتاب الذين يبحثون عن الحقيقة ، وزيادة لإيمان المؤمنين . والملحوظ أن قضية هذا العدد (19) لم تكن مطروحة في عصر من العصور كما هي اليوم، ويمكن اعتبار ذلك نبوءة من نبوءات القرآن الكريم . ويبدو أن فهمنا لهذا العدد اللغز سيتطور في اتجاه إيجابي يساهم في تحقيق اليقين وزيادة الإيمان في عصر أحدث الناس فيه شكوكاً وطلبوا المزيد من الأدلة والبراهين . 
لا داعي لأي موقف سلبي من قضية الإعجاز العددي ، وان كان التحقق مطلوباً، ويمكننا اليوم أن نتحقق من أية معلومة -وهذا ما فعلناه في بحوثنا - كما ويمكن الحكم على دلالة أية مسألة ، ثم إن الموقف السلبي قد يحرمنا من وجه عظيم من وجوه الإعجاز القرآني له انعكاسات إيجابية على المستوى الإيماني ، وعلى مستوى الدراسات المتعلقة بالقرآن الكريم ، وعلى مستوى تفنيد الشبهات التي تثار حول القرآن ونزاهته وإعجازه . أمّا البهائية فبطلانها بيّن وانحرافها واضح ، ولا يسعفهم العدد (19) في ترويج فكرتـهم ومعتقداتـهم ، بل إن حتفهم سيكون فيما قدسّوا ، فقد بدأت القضية فتنة للذين كفروا من البهائيين وغيرهم ، وها نحن نعاصر انبعاث اليقين من رحم الفتنة ، وها هي تجليات هذا الإعجاز تشهد بنـزاهة القرآن الكريم عن التحريف والتبديل ، وها هي حقائق العدد ترسّخ اليقين وتزيد الإيمان ، وإن مقدمات هذه المسألة لتبشر بخير عميم . 
إذا كان العدد (19) ذكرى للبشر كما نصّ القران الكريم ، فإن ذلك يعني أن البشر سيصلون عن طريق هذا العدد إلى اليقين الذي هو ذكرى وعظة وحجة . فالأقـرب إلى العقل والمنطق أن نقول إن ذلك سيكون عن طريق الإعجاز العددي القائم على أساس العدد(19) ، على اعتبار أن اليقين لا يتحصل إلا عن دليل قاطع ،ولا شك أن المعجزة هي دليل قاطع .ومن الأمور التي ترجح ذلك وتؤكده ما نجده في البنية العددية لسورة المدثر ،والتي تتلخص فيما يلي: 
1- الآيات في سورة المدثر قصيرة جداً ، عدا آية واحدة هي طويلة بشكـل لافت للنظر ، وهي الآية (31 ) التي تتحدث عن حكمة تخصيص العدد (19). 
2- تتكون هذه الآية من (57) كلمة ، أي (19×3) . 
3- تنقسم هذه الآية إلى قسمين : القسم الأول يتكون من (38) كلمة ،أي (19×2) وهو القسم الذي يتحدث عن حكمة تخصيص العـدد (19) بالذكر، وينتهي عند قوله تعالى (ماذا أراد الله بهذا مثلا ً). أما القسم الثاني فيتكون من (19) كلمة هي تعقيب على ما ورد في القسم الأول : (كذلك يضل الله من يشاء، ويهدي من يشاء ، وما يعلم جنود ربك إلا هو ، وما هي إلا ذكرى للبشر ). 
4- عدد كلمات أول (19) آية من سورة المدثر هو (57) أي (19×3) وبـهذا يتضح أن عدد كلمات الآية (31) من سورة المدثر يساوي عدد كلمات أول (19)آية . 
5 - من الآية (1-30) أي إلى نهاية قوله تعالى : ( عليها تسعة عشـر ) هناك (95) كلمة،أي (19×5) . 
6- الآية (30) تتكون من ثلاث كلمات( عليها تسعـة عشر ) ، وبذلــك يتضح أن الآية (31) التي تتحدث عن حكمة تخصيص العدد (19) تساوي (19) ضعفاً لقوله تعالى ( عليها تسعة عشر ). 
7- عدد الأحرف من بداية سورة المدثر حتى نهاية كلمة ( عليها ) ، أي قبل قوله عزّ وجل (تسعة عشر ) هو (361) حرفاً ، أي (19×19) فتأمل !! 
8- (تسعة عشر ) تتكون من ( 7) أحرف ، وعلى ضوء المعلومة السابقة، يتبين أن الحرف الأوسط في هذه الجملة هو الحرف (365) من بداية سورة المدثر ، وهو عدد أيام السنة ، فهل لذلك علاقة بعالم الفلك ؟! 
9-( كلا والقمر ، والليل إذ أدبر ، ، والصبح إذا أسفر ، إنـها لإحدى الكبر ، نذيراً للبشر …) لماذا كان القسم بالقمر ،والليل ، والصبح . أو بمعنى آخر بالقمر ، والأرض ، والشمس ؟! فهل لذلك علاقة بالعـدد (19)؟ في الحقيقة نعم ، فهناك أكثر من علاقة قائمة بين الشمس الأرض والقمر تقوم على أساس العدد (19) وليس هذا مقام تفصيل ذلك . 
10-الآية (31) هي (57) كلمة ، أي (19×3) ،وهي آخر آية في ترتيب المصحف عدد كلماتها (19) أو مضاعفاته. 
11-في الآية (31) المذكورة جملة معترضة : ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) هي عبارة عن (19) حرفاً . ألا يصح أن يكون الإعجاز العددي "من الجنود" المشار إليها في الآية ؟ كيف لا والنصر للفكرة هو الهدف حتى عند تجييش الجيوش ؟! 
12-آية المداينة هي أطول آية في القرآن الكريم ،عدد كلماتـها(128) كلمة،وهذا يعادل (6) أضعاف متوسط عدد كلمات الآيات في سورة البقرة، وهي أعلى نسبة في القرآن الكريم عدا الآية (20)من سورة (المزّمل) وهي السورة التي تسبق سورة ( المدثر ) ، فإن عدد كلماتـها (78) كلمة ، وهذا يعادل (7,8) ضعفاً لمتوسط عدد كلمات الآيات في سورة ( المزمّل ). أما الآية (31) من سورة (المدّثر ) والتي نحن بصدد الحديث حولها، فإنها تعادل (12,5) ضعفاً لمتوسط عدد كلمات الآيات في سورة (المدّثر) ، وهذه النسبة تجعلها أطول آية في القرآن الكريم من هذه الحيثيّة. 
فما معنى أن يكون عدد كلمات أول (19) آية من سورة المدثر هو (19×3) ، وعدد كلمات أول (30) آية ،أي حتى قوله تعالى ( عليها تسعة عشر ) هو(19×5) ؟! وما معنى أن يكون عدد الأحرف من بداية سورة المدّثر حتى قوله تعالى ( عليها ) هو (19×19) ثم يذكر العدد (تسعة عشر ) ؟!ما معنى أن تكون الآية (31) التي تبين حكمة تخصيص العدد (19) ، والتي هي أطول آية في القرآن نسبياً ، مكونة من (19×3) من الكلمات ، وتنقسم إلى (19×2) + (19) ؟! وما معنى أن يساوي عدد كلماتـها عدد كلمات أول (19) آية ، وتكون (19) ضعفاً لقوله تعالى : 
( عليها تسعة عشر ) ؟! ثم لماذا هي آخر آية في المصحف تتألف من العدد (19) أو مضاعفاته ؟! وما معنى أن يتم الحديث حول العدد (19) في أول ما نزل في الرسالة ؟! وما معنى أن يكون هذا العدد (19) هو العدد الوحيد في القرآن الكريم الذي يُتَّخذُ موضوعاً يُفصَّل الحديث فيه ؟! ثم ما معنى أن يقسم الله تعالى بالقمر والأرض والشمس ، على أن هذه القضيّة هي إحدى الكبر ثم نجد عدة علاقات بين هذه الأجرام تقوم على أساس العدد (19) ؟! 
ألا تجعل هذه الملاحظات تفسير الآية (31) أكثر وضوحاّ ، وأعمق دلالة ، وأعظم إعجازاً ؟! وكيف بنا وقد تجلت حقائق هذا العدد وتواترت ؟! وما كتابنا: ((إعجاز الرقم (19) في القرآن الكريم مقدمات تنتظر النتائج )) إلا مقدمة لهذا الموكب المهيب الذي يطغى بتجلياته ، ليدرك الجميع أن تفاهات البهائيين ، وتردد الطّيّبين ، لن يغني من الحق شيئًا.